اعلان واحد

جرائم أمن الدولة نطاقها واحكامها

 تُعَدُّ جرائم أمن الدولة من أخطر الجرائم التي تهدد استقرار الدول وسلامتها، إذ تمس بشكل مباشر سيادتها ووحدتها الوطنية وتضعف ثقة المواطنين بمؤسساتها. وتتنوع هذه الجرائم بين ما يهدد أمن الدولة على المستوى الداخلي، مثل الإرهاب والمؤامرة، وما يهددها على المستوى الخارجي، مثل التجسس والخيانة.

يأتي هذا البحث ليسلط الضوء على أهم الجرائم التي تندرج ضمن فئة جرائم أمن الدولة، متناولًا إياها من حيث المفهوم والأركان والتشريعات ذات الصلة في القانون اليمني، مع إظهار كيفية معالجة المشرِّع اليمني لهذه الجرائم مقارنةً بالقوانين الأخرى.

وينقسم هذا البحث إلى ثلاثة مباحث رئيسة؛ يتناول الأول مقدمة البحث وتساؤلات والأهداف والدراسات السابقة للبحث بينما يتحدث المبحث الثاني عن جرائم أمن الدولة على المستوى الداخلي، الإرهاب والمؤامرة، وتم تخصيص المبحث الثالث لدراسة الجرائم على المستوى الخارجي، التجسس والخيانة. ويُختتم البحث بعرض النتائج، مع تقديم توصيات تُسهم في تعزيز النصوص القانونية المتعلقة بأمن الدولة.

هذا البحث يسعى لإثراء الجانب المعرفي وتوضيح الدور التشريعي في تحقيق التوازن بين حماية أمن الدولة وصون الحقوق والحريات الفردية، في ظل التطورات المحلية والدولية التي تواجهها اليمن.

ملخص البحث

الارهاب والمؤمرة والخيانه التجسس في القانون اليمني

يتناول هذا البحث موضوع "جرائم أمن الدولة" باعتبارها من أخطر الجرائم التي تهدد كيان الدول واستقرارها، مقسّمًا إلى محورين رئيسيين: الجرائم التي تستهدف أمن الدولة داخليًا، والجرائم التي تمس أمنها خارجيًا.

يتألف البحث من ثلاثة مباحث:

  • المبحث الأول: يتناول المقدمة والاهداف والتساؤلات والمنهجية والدراسات السابقة التي تم استخدامها لإنجاز هذا البحث
  • المبحث الثاني جرائم أمن الدولة على المستوى الداخلي، ويشمل دراسة جريمة الإرهاب من حيث مفهومها وأركانها وكيفية تناولها التشريع اليمني، بالإضافة إلى جريمة المؤامرة من منظور مشابه.
  • المبحث الثالث يركز على جرائم أمن الدولة على المستوى الخارجي، بما في ذلك جريمتي التجسس والخيانة. تم تحليل المفاهيم والأركان القانونية لهاتين الجريمتين وكيفية تناولها التشريع اليمني لهما.

وفي الختام تم تضمين النتائج والتوصيات المقترحة لتطوير النصوص القانونية وتعزيز آليات مكافحة هذه الجرائم مع الحفاظ على الحقوق الأساسية.

تم الاعتماد في هذا البحث على المنهج التحليلي للنصوص القانونية اليمنية، وخلص إلى ضرورة تحديث القوانين لتواكب المستجدات الأمنية والسياسية، مع التأكيد على أهمية التوازن بين حماية الدولة وضمان حقوق الأفراد.

مقدمة:

تمثل جرائم أمن الدولة واحدة من أخطر الجرائم التي تهدد كيان الدولة واستقرارها، حيث تستهدف تقويض وحدتها وسلامتها. ومع تزايد التحديات الأمنية التي تواجهها العديد من الدول، بما في ذلك بلادنا اليمن، تبرز الحاجة الملحة إلى دراسة هذه الجرائم وفهم عناصرها القانونية والشروط التي تشكلها، وفقًا للقانون اليمني. ومن هذا المنطلق، اخترنا عنوان البحث "جرائم أمن الدولة: نطاقها وأحكامها"، حيث تم استعراض في البحث الفصول والمباحث التي تناولت جرائم أمن الدولة الداخلية (الجريمة الإرهابية والمؤامرة) وجرائم أمن الدولة الخارجية (التجسس والخيانة).

وقد توصلنا في هذا البحث إلى العديد من النتائج والتوصيات، التي تعكس ضرورة التصدي لهذه الجرائم في ظل الوضع الأمني المعقد الذي يعيشه اليمن، مما يهدد استقرار الدولة وسلامتها

مشكلة البحث:

تعتبر جرائم أمن الدولة من الجرائم التي تشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المجتمع وأمنه، وتختلف عقوباتها من دولة إلى أخرى، ونتيجة للمشاكل السياسية التي تعصف ببلادنا والتي قسمت اليمن الى حكومات متعددة وكل منها يدعي الوطنية والحفاظ على الامن القومي ورغبتنا الشخصية في اثراء المعرفة حول موضوع جرائم امن الدولة ومعرفة ماهيتها وكيف تناولها المشرع اليمني فقد تم صياغة مشكلة البحث من خلال إثارة السؤال الرئيسي التالي:

ما هي الأطر القانونية والشرعية التي تحدد مفهوم جرائم أمن الدولة، وما هي أركانها، وما هي عقوبتها؟ 

وفي خضم هذه الإشكالية تم تناول الأسئلة الفرعية التالية والتي حاولنا الإجابة عليها في هذه البحث والمتمثلة بالتالي:

·      ماهي جرائم أمن الدولة، (جرائم الإرهاب، والمؤامرة، والتجسس، والخيانة) وما هي أركانها؟

·      ما هي العقوبات المقررة على مرتكبي جرائم أمن الدولة في القانون اليمني؟

اهداف البحث:

الهدف الرئيسي التعرف على مفهوم جرائم أمن الدولة وانواعها واركانها وكيف تعامل معها المشرع اليمني

وتحقيق الأهداف الفرعية التالية

·      الوصول إلى تعريف ومفهوم لكل من جرائم الإرهاب، والمؤامرة، والتجسس، والخيانة، مع تحديد النطاق القانوني لكل جريمة.

·      تحليل العناصر القانونية المكونة لكل جريمة من الجرائم المذكورة، بما في ذلك الأركان المادية والمعنوية اللازمة لقيام المسؤولية الجنائية.

·      التعرف على العقوبات المقررة على مرتكبي هذه الجرائم في القانون اليمني.

أهمية البحث:

تُعد جرائم أمن الدولة من أخطر الجرائم التي تهدد أمن المجتمعات واستقرارها، وتشكل تحديًا كبيرًا للدول والمؤسسات المعنية بإنفاذ القانون، لذا فإن دراسة هذه الجرائم لها أهمية كبيرة نستند اليها من عدة جوانب أهمها:

1.   الحفاظ على الأمن والاستقرار وذلك من خلال:

·            الوقاية من الجرائم التي تهدد أمن المجتمع.

·            مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة.

·            تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي.

·            الحفاظ على النظام العام والسلام الاجتماعي.

2.   تعزيز الثقة في المؤسسات الحكومية المعنية بإنفاذ القانون وتحفيز التنمية المستدامة من خلال توفير بيئة آمنة ومستقرة.

3.   إثراء المعرفة العلمية والقانونية من خلال زيادة الفهم حول طبيعة جرائم أمن الدولة وأسبابها والاطلاع على القوانين والتشريعات المتعلقة بمكافحة هذه الجرائم.

4.   تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الأمن القومي والحفاظ على الوطن.

مصطلحات البحث:

  • جرائم أمن الدولة: مجموعة الأفعال التي تهدد أمن الدولة واستقرارها ووحدتها.
  • القانون اليمني: الإطار التشريعي في اليمن.
  • العقوبات: الجزاءات المقررة على مرتكبي الجرائم.

منهجية البحث:

تم الاعتماد في إعداد هذا البحث على المنهج الوصفي والتحليلي، وذلك بناءً على طبيعة الموضوع والمعلومات التي تم جمعها. استند البحث إلى المؤلفات العامة والرسائل والأبحاث والمقالات والدوريات المتخصصة، بالإضافة إلى تلخيص النصوص القانونية المتعلق بها، بهدف فهم الأحكام التشريعية المتعلقة بجرائم أمن الدولة. وقد تم تطبيق المنهجية على النحو التالي:

  • جمع وتنظيم المصادر النظرية المتعلقة بجرائم أمن الدولة.
  • تحليل هذه المصادر لتحديد المفاهيم الأساسية وأنواع جرائم أمن الدولة.
  • تحليل كل نوع من جرائم أمن الدولة بشكل منفصل لدراسة أركانه وأثره.
  • تجميع النصوص القانونية اليمنية ذات الصلة بجرائم أمن الدولة.
  • استقراء البيانات والمعلومات المجمعة للوصول إلى استنتاجات عامة وشاملة حول الموضوع.

أدوات البحث:

  • الكتب والبحوث المنشورة والدراسات السابقة والمقالات العلمية.
  • النصوص التشريعية في القوانين اليمنية والشريعة الإسلامية.
  • مواقع الانترنت.

الدراسات السابقة:

كنقطة مهمة في البداية، أود الإشارة إلى أن الدراسات السابقة التي تناولت هذا الموضوع بشكل عام حققت أهدافًا ونتائج وتوصيات محددة وفقًا للسياقات والمناطق التي أُجريت فيها. ومع ذلك، لم تركز هذه الدراسات على التشريع اليمني، على الرغم من وجود نقاط تشابه بين بحثي والدراسات السابقة من حيث الموضوع، الأهداف، والمنهجية.

ما يميز هذا البحث عن الدراسات التي سأوردها وبشكل عام هو تركيزه على السياق اليمني بشكل خاص، بالإضافة إلى تناوله لهذا الموضوع في ظل تعقيدات سياسية واجتماعية شديدة، تتجلى في الصراعات الداخلية التي تشهدها بلادنا. فإن هذا البحث يتميز بإضافة الطابع المعرفي الشخصي لي كطالب في كلية الشريعة والقانون، ولكل المهتمين حيث استفدت من دراستي الأكاديمية والمنهجية القانونية في فهم النصوص التشريعية وربطها بالواقع اليمني.

 

الدراسة الأولى:
الجرائم الماسة بأمن الدولة في التشريع الجزائري - محمد الخامس نبالي، رسالة ماجستير، جامعة العربي التبسي – تبسة، الجزائر، 2022-2023م
تهدف الدراسة إلى تحديد الإطار التاريخي والقانوني لجرائم أمن الدولة، مع إبراز الفروق بين جرائم الأمن الداخلي والخارجي وتبيان العقوبات المقررة.
النتائج:

  • تم تقسيم الجرائم إلى فئتين: الجرائم الداخلية مثل الإرهاب، والتخريب، والمؤامرات، والجرائم الخارجية مثل الخيانة والتجسس.
  • لم يقدم المشرع الجزائري تعريفًا دقيقًا للإرهاب، لكنه حدد مجموعة من الأفعال الإرهابية.
  • فرض المشرع عقوبات قاسية مثل الإعدام على الجرائم المتعلقة بالأمن القومي.
  • وجود ازدواجية في التشريعات بين قانون العقوبات والقانون العسكري.
    التوصيات:
  • ضرورة تعزيز التعاون للكشف المبكر عن الجرائم قبل وقوعها.
  • إنشاء أقسام قضائية متخصصة لمكافحة الجرائم مثل التجسس والإرهاب.
  • تحديث التشريعات لمواجهة التحديات القانونية في الجرائم المرتبطة بأمن الدولة.

الدراسة الثانية:
الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي: دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون - سفیان عرشوش، أطروحة دكتوراه، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر، 2015 - 2016م
تهدف الدراسة إلى تبسيط فهم الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي في كل من القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية.
النتائج:

  • تم تقسيم الجرائم إلى نوعين: الجرائم الماسة بالأمن العام (مثل الإرهاب) والأمن السياسي (مثل البغي السياسي).
  • الشريعة الإسلامية أكثر ردعًا في التعامل مع الجرائم الماسة بالأمن العام مقارنة بالقانون الوضعي.
  • القانون الوضعي يشدد العقوبات على الجرائم السياسية.
    التوصيات:
  • التمييز بين العمل السياسي السلمي والإرهاب.
  • الاستفادة من الشريعة الإسلامية لتطوير التشريعات القانونية.
  • مكافحة الفكر المتطرف عبر الحوار والنقد العلمي.

الدراسة الثالثة:
الجرائم الماسة بأمن الدولة - والي آسية وباشوش سامية، رسالة ماجستير، جامعة أكلي محند أولحاج البويرة، الجزائر، 2016.
تهدف الدراسة إلى تحديد الفروق بين جرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي وتحديد الجرائم الإرهابية.
النتائج:

  • الأيديولوجيات المتطرفة تلعب دورًا كبيرًا في دفع الأفراد لارتكاب الجرائم الإرهابية.
  • غياب تعريف موحد للجريمة الإرهابية يشكل تحديًا في المكافحة.
  • المشرع الجزائري شدد العقوبات على جرائم المؤامرات والاعتداءات الإرهابية.
    التوصيات:
  • تعزيز بناء دولة قوية ومستقرة.
  • تحديث القوانين لمواجهة الإرهاب والتطرف الفكري.
  • إصلاح سياسي شامل من خلال التعاون بين الدولة والمجتمع.

الدراسة الرابعة:
جرائم أمن الدولة الجريمة السياسية: دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي - شايب عدة، رسالة ماجستير، جامعة غرداية، 2017-2018م
تهدف الدراسة إلى تمييز الجريمة السياسية عن غيرها في الشريعة الإسلامية والقانون.
النتائج:

  • الشريعة الإسلامية تستخدم مصطلحات مثل "حرابة" و"بغي"، بينما القوانين الوضعية تفرق بين جرائم محددة مثل الخيانة والتجسس.
  • الدوافع وراء الجرائم السياسية تختلف بين النظامين، حيث ترتبط الشريعة بحماية النظام الإسلامي وحقوق المسلمين، بينما تأخذ التشريعات الوضعية بعين الاعتبار دوافع المجرم.
    التوصيات:
  • ضرورة ضمان حرية الرأي والتعبير.
  • سن تشريعات خاصة بالجرائم السياسية وتجنب القمع.
  • الاستفادة من الشريعة الإسلامية في التعامل مع الجرائم السياسية.

الدراسة الخامسة:
جريمة التجسس (أمن الدولة) - رزق الله برهان، رسالة ماجستير، جامعة العربي التبسي، الجزائر، 2017-2018م
تهدف الدراسة إلى تحليل جريمة التجسس وسبل التصدي لها في التشريع الجزائري.
النتائج:

  • جريمة التجسس تعتبر من الجرائم الخطيرة التي تهدد الأمن القومي.
  • المشرع الجزائري يعاني من بعض الثغرات في تعريف التجسس وتشريعاتها.
    التوصيات:
  • ضرورة تحديد تعريف قانوني شامل للتجسس.
  • توسيع صلاحيات النيابة العامة والضبطية القضائية في التحقيق في جرائم التجسس.
  • تطبيق عقوبة الإعدام على مرتكبي جرائم التجسس لحماية الأمن القومي.
    ما يتناوله بحثي بجانب الدراسات السابقة هو التركيز على التشريع اليمني وتغطية جوانب قانونية محددة مثل أركان الجريمة والعقوبات.

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول

1-1     المطلب الأول الإرهاب

1-1-1 مفهوم الإرهاب في اللغة

تشتق كلمة «إرهاب» من الفعل المزيد (أرهَبَ)؛ ويقال أرهب فلانًا: أي خوَّفه وفزَّعه، وهو المعنى نفسه الذي يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ). أما الفعل المجرد من المادة نفسها وهو (رَهِبَ)، يَرْهبُ رَهْبَةً ورَهْبًا، ورَهَبًا فيعني خاف، فيقال: رَهِبَ الشيء رهبًا ورهبة أي خافه. أما الفعل المزيد بالتاء وهو (تَرَهَّبَ) فيعني انقطع للعبادة في صومعته، ويشتق منه الراهب والراهبة والرهبنة والرهبانية... إلخ، وكذلك يستعمل الفعل ترَهَّبَ بمعنى توعد إذا كان متعديًا فيقال ترهب فلانًا: أي توعده وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه: أخافَه وفزَّعه.

في المعجم الوسيط والمنجد، الإرهابي، من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته، وتحقيق اهدافه السياسية. والحكم الإرهابي هو نوع من الحكم يقوم على الإرهاب والعنف تعمد إليه حكومات أو جماعات ثورية. وفي معجم الرائد، الإرهاب هو رعب تحدثه أعمال عنف كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب. والإرهابي هو مَنْ يلجأ إلى الإرهاب بالقتل أو إلقاء المتفجرات أو التخريب لإقامة سلطة أو تقويض أخرى. أما الحكم الإرهابي فهو نوع من الحكم الاستبدادي الذي يقوم على سياسة معاملة الشعب بالشدة والعنف بغية القضاء على النزعات والحركات التحررية والاستقلالية. ويجدر بالإشارة أن المعاجم العربية القديمة قد خلت من كلمتي الإرهاب والإرهابي لأنهما من الكلمات الحديثة الاستعمال، ولم تعرفهما الأزمنة القديمة[1])1 (علو، 2013).

1-1-2 مفهوم الإرهاب في القرآن الكريم

من خلال النظر في آيات القرآن الكريم وورود مشتقات الإرهاب في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن نلاحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح (الإرهاب) بهذه الصيغة، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من نفس المادة اللغوية، بعضها يدل على الإرهاب والخوف والفزع، والبعض الآخر يدل على الرهبنة والتعبد، حيث وردت مشتقات المادة (رهب) سبع مرات في مواضع مختلفة في الذكر الحكيم لتدل على معنى الخوف والفزع كالتالي:

(يَرْهَبُون): وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةً لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ" [الأعراف: 154].

(فَارْهِبُون): (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)

إِنَّمَا هُوَ إِلَهُ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [النحل: 51].

(تُرْهِبُونَ): (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ)] الأنفال: 6[

(استرهَبُوهُم): (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) [الأعراف: 116].

(رَهْبَةً): (لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ) [الحشر: 13].

(رَهَبًا) (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90].

بينما وردت مشتقات نفس المادة (رهب) في مواضع مختلفة في القرآن لتدل على الرهبنة والتعبد كالتالي: ورد لفظ الرهبان) في سورة [التوبة: 34]، كما ورد لفظ (رهبانا) في [المائدة:82]، ولفظ (رهبانهم) في [التوبة: 31] وأخيرا (رهبانية) في [الحديد: 27].

ومشتقات كلمة الإرهاب التي وردت في بعض آيات القرآن الكريم في مناسبات متعددة من سوره، وبصيغ مختلفة، منها قول الله عز وجل في سورة البقرة: (يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة: 40].

قال ابن كثير في تفسيره: "وإياي فارهبون" (أي فأخشون ترهيب، والرهبة من أجل الرجوع إلى الحق، والاتعاظ بما عسى أن ينزل بهم من العقاب).[2] (الموسوعة القرآنية، 2024)

وبمثل ما تقدم، فسر قوله تعالى في سورة النحل: (وَقَالَ الله لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهُ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ([النحل: 51] (أي ارهبوا أن تشركوا بي شيئا وأخلصوا لي الطاعة). (الموسوعة القرآنية، 2024)

وكذلك في تفسيره لقوله تعالى: (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) [الأنبياء 90]. قال: رغبا فيما عندنا، ورهبة مما عندنا خائفين الخشوع هو الخوف المستمر، خاشعين أي متواضعين) (الموسوعة القرآنية، 2024)

 

1-1-3 مفهوم الإرهاب في السنة النبوية

ومن الملاحظ أن مشتقات مادة (رهب) لم ترد كثيرا في الحديث النبوي الشريف، ولعل أشهر ما ورد هو لفظ (رهبة) في حديث البراء بن عازب الذي يرويه في الدعاء: "وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك".[3] (شرح النووي على مسلم ص 197، 2024)

قال الحافظ في الفتح: أي رغبة في رفدك وثوابك، (ورهبة) أي خوفا من غضبك وعقابك.

1-1-4 مفهوم الإرهاب عند الغرب

مفهوم الإرهاب عند الغرب بعيد كل البعد عن مفاهيم اللغة العربية والقرآن الكريم ومفاهيمهم وتعريفاتهم كثيرة ومتباينة فلم يتفقوا على تعريف واحد، ومن هذه التعريفات ما يلي:

وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) قد تبنت في عام 1400هـ (1980م)، تعريفا ينص على أن الإرهاب هو التهديد باستعمال العنف أو استعمال العنف الأغراض سياسية من قبل أفراد أو جماعات، سواء تعمل لصالح سلطة حكومية قائمة أو تعمل ضدها، وعندما يكون القصد من تلك الأعمال إحداث صدمة، أو فزع، أو ذهول، أو رغب لدى المجموعة المستهدفة والتي تكون عادة أوسع من دائرة ضحايا العمل الإرهابي المباشر. وقد شمل الإرهاب جماعات تسعى إلى قلب أنظمة حكم محددة، وتصحيح مظالم محددة، سواء كانت مظالم قومية أم لجماعات معينة، أو بهدف تدمير نظام دولي كغاية مقصودة لذاتها.

وجاء في اتفاقية جنيف لقمع الإرهاب ومعاقبته لعام 1937 المادة الأولى أن الإرهاب هو الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما وتستهدف خلق حالة رعب في أذهان أشخاص معينين أو مجموعة من الأشخاص أو عامة الجمهور.

وهذا التعريف يعتبر أن الإرهاب يكون موجه ضد الدولة وليس ضد الأفراد أو الجماعات أو حركات التحرر.

في معظم التعريفات الغربية خلل أساسي وهو تناسيها للمعنى اللغوي الأصلي للكلمة وهو معنى تتفق عليه الكلمتان الإنجليزية والعربية، إذ يشير أكثرها إلى أن الإرهاب قتل أو خطف أو تخريب[4] (حسني، 2015).

(يقصد بالإرهاب عند محمد عودة الجبور هو : " استخدام العنف أو التهديد باستخدامه أياً كانت بواعثه وأغراضه يقع تنفيذاً لعمل فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريضه سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا كان من شأن ذلك إلقاء الرعب بين الناس وترويعهم وتعريض حياتهم وأمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو المرافق والأملاك العامة أو الأملاك الخاصة أو المرافق الدولية والبعثات الدبلوماسية أو بالاحتلال أي منها والاستيلاء عليها أو تعريض المواد الوطنية للخطر أو تعطيل تطيق أحكام الدستور والقوانين[5] (الجبور، 2010)

1-2 أركان الجريمة الإرهابية

1-2-1: الركن الشرعي

 يقضي هذا المبدأ عدم جواز معاقبة أي شخص على أي سلوك إلا إذا كان هذا سلوك خاضعا لنص قانوني تحدد مضمونه ويقرر له عقوبة معينة أو يلزم هذا النص التشريعي أن يكون صادر من سلطة مختصة وأن يكون سابقا على ارتكاب سلوك المحظور، ولقد تضمنت الشريعة الإسلامية هذا المبدأ ومن الأدلة على ذلك القاعدة الفقهية المتمثلة في أن الأصل في الأشياء والأفعال "الإباحة" ومعناه أن كل سلوك مباح ما لم يرد نص بتجريمه[6] (مطر، 2008).

حيث يسود في الدول القانونية مبدأ الشرعية والذي مفاده خضوع الجميع للقانون حكاما ومحكومين، وسيادة القانون في مجال التجريم والعقاب تعني وجوب حصر الجرائم والعقوبات في القانون المكتوب وذلك بتحديد الأفعال التي تعد جرائم بيان أركانها من جهة والعقوبات المقررة لها ونوعها ومدتها من جهة أخرى.

فالجريمة تتحقق بالفعل الصادر عن الإنسان فيتخذ صورة مادية معينة، تختلف الأفعال المادية باختلاف نشاطات الإنسان وهذا ما يجعل المشرع يتدخل لتحديد فئة من الأفعال الضارة أو الخطرة على سلامه أفراد المجتمع فينتهي عنها بموجب نص قانوني جزائي يجرم هذه الأفعال وتحدد عقوبة من يأتي على ارتكابها، وتبعا لذلك فلا جريمة ولا عقوبة دون نص شرعي.

1-2-2: الركن المادي

 هو الفعل والامتناع الذي بواسطته تتكشف الجريمة ويكتمل جسمها ولا توجد جريمة دون ركن مادي، ويتكون الركن المادي في اغلب الجرائم من عناصر سلوك الإجرامي والنتيجة والعلاقة السببية بينهما

1- السلوك الإجرامي: وهو النشاط الذي يأتيه الجاني سواء كان إيجابيا أو سلبيا وتحدث أثرا في العالم الخارجي، ولقد جرم المشرع الجزائري كل سلوك يشكل خطرا على مصلحة تحميها القانون وذلك عن طريق بث الرعب وأثاره الفزع في النفوس من أجل الوصول إلى غاية معينة وقد يتخذ السلوك الإجرامي الذي يأتيه الجاني عدة صور منها[7]: (نجم، 2011)

·      اعتداءات على الأموال.

·      كمين المحال العامة البنوك والمخازن

·      الحرائق العمدية في أماكن معينة.

·      المتفجرات في الطرق العامة: (مقاهي محلات كبرى .....).

·      تدمير وسائل النقل والطرق والمواصلات.

·      أعمال السرقة والنهب والتخريب.

·      اعتداءات على الأشخاص، تصرفات تحد حرية الأشخاص (خطف واحتجاز ورهائن).

·      تصرفات ضد السلامة جسدية للأشخاص.

·      اخذ الرهائن وقد تكون جماعية مثل طائرة أو حافلة أو فردي مثل سفارة أو مكان عام

·      كما قد يكون السلوك الإجرامي في صورة تهديدات مختلفة بإرسال بكتيريا أو نشر الأوبئة والتهديدات النووية.

 

2- النتيجة الإجرامية: يقصد بها التغيير الذي يلحق بالعالم الخارجي الذي يتسبب فيه السلوك الإجرامي واختلف الفقهاء حول مدلول النتيجة فهناك رأي يأخذ بالمدلول المادي ورأي يأخذ بالمدلول القانوني، فالنتيجة الإجرامية في الجرائم الإرهابية أو التخريبية هي عندما نستهدف الأفعال المذكورة أعلاه أمن الدولة الوحدة الوطنية والسلامة الترابية، استقرار المؤسسات وسيرها العادي فعياره كل فعل يستهدف أمن الدولة تكشف عن القصد الخاص الذي يتطلبه المشرع في مثل هذه الجرائم حتى تعد جرائم إرهابية أو تخريبية.

3- العلاقة السببية: لا يكفي لقيام الركن المادي للجريمة وقوع السلوك الإجرامي من الجاني وتحقق النتيجة الضارة، بل لا بد من أن تنسب هذه النتيجة إلى السلوك الإجرامي أي أن تقوم علاقة سببية بمعنى أن ارتكاب السلوك الإجرامي هو الذي أدى وحده إلى حدوث النتيجة ويشترط لقيام العلاقة السببية توافر شروط التالية:

·      أن تكون بصدد جريمة ذات نتيجة.

·      أن يكون فاصل زمني بين السلوك الإجرامي والنتيجة فإذا لم يكن هناك فاصل زمني لا تكون هناك علاقة سببية لأن سلوك الجاني هو السبب الوحيد في تحقيق النتيجة.

·      أن يكون هناك عامل أجنبي أو أكثر عن النشاط العادي قد ساهم معه في إحداث النتيجة.

1-2-3: الركن المعنوي

 يقصد بالركن المعنوي نسبة السلوك الإجرامي لنفسية صاحبه أي لاقتران الإرادة بالفعل بمعنى آخر العلاقة التي ترتبط بين ماديات الجريمة وشخصية الجاني، لا يكفي لقيام الجريمة ارتكاب عمل مادي ينص ويعاقب عليه قانون جزائي بل لابد أن يصدر هذا العمل المادي بالفاعل ما يسمى بالركن المعنوي، ويتخذ الركن المعنوي الجريمة صورتين أساسيتين: صورة الخطأ العمد أي القصد الجنائي وصورة الخطأ في العمد إي الإهمال وعدم الاحتياط.

ويكون القصد الجنائي من عنصرين هما العلم والإرادة، فالعلم يقصد به إحاطة الجاني علما بجميع العناصر اللازمة لقيام الجريمة كما هي محددة في نص التجريم وهذه العناصر هي التي تعطي للواقع الإجرامية وصفها القانوني وتميزها عن غيرها من الوقائع الإجرامية الأخرى من جهة، وعن الوقائع المشروعة من جهة أخرى، ويترتب على انتقاء العلم بأحد هذه العناصر بسبب الجهل أو الغلط فيها انتقاء القصد الجنائي وهنا العلم مقترض في لحظة سابقه على إرادة السلوك إذ هو الذي يوجهها ويعين حدودها، فلا يتحقق القصد الجنائي بمجرد العلم بعناصر الواقعة الإجرامية، وإنما يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة أي ارتكاب السلوك وانتظار تحقق نتيجة معينة.

فالجريمة الإرهابية من الجرائم العملية التي تتطلب توافر القصد الجنائي لدى الجاني أي القيام بالفعل وإرادة النتيجة، والقصد الجنائي نوعان:

القصد العام: هنا هو انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع علمه بتوافر أركانها. التي يشترطها القانون وهذا القصد تجده في كافة أنواع الجرائم.

القصد الخاص: ويتمثل في الغاية التي يقصدها الجاني من ارتكاب الجريمة فضلا على إرادته الواعية لمخالفة القانون الجزائي

وهذا الأمر ينطبق على الجريمة الإرهابية التي يتطلب لقيامها توافر قصد خاص إلى جانب القصد العام، ولقد أورد المشرع صيغتين تفيدان هذا القصد وهما:" لكل فعل يستهدف أمن الدولة هي التي تكشف عن القصد الخاص الذي يتطلبه المشرع في مثل هذه الجرائم حتى تعد جرائم إرهابية أو تخريبية ومنه فالمشرع يشترط المساس بأمن الدولة حتى يمكن اعتبار هذه الأفعال إرهابية أو تخريبية[8] (نبالي، 2022-2023).

 

كيف تناول التشريع اليمني الإرهاب؟

الإرهاب كجريمة يُعتبر من الجرائم الخطيرة التي تتعامل معها القوانين الوطنية والدولية بجدية. في اليمن، تم تنظيم مسألة الإرهاب ومكافحته من خلال القوانين الوطنية، خصوصًا القانون الجنائي اليمني وبعض القوانين الأخرى المتعلقة بمكافحة الإرهاب.

·      تعريف الإرهاب في التشريع اليمني:

القانون اليمني لم يضع تعريفًا دقيقًا ومحددًا للإرهاب، لكنه أشار إليه ضمن جرائم تمس أمن الدولة. وفقًا للتفسيرات القانونية، يُمكن فهم الإرهاب على أنه:

"كل فعل جنائي يُرتكب بقصد ترويع الناس أو الإخلال بالأمن العام أو تهديد الاستقرار السياسي والاقتصادي، باستخدام وسائل العنف والتخويف أو أي أسلوب يهدف إلى الإضرار بالمصلحة العامة."

·      القوانين المنظمة للإرهاب في اليمن:

أ. قانون الجرائم والعقوبات اليمني (القانون رقم 12 لسنة 1994):

يُعالج القانون العديد من الجرائم المرتبطة بالإرهاب، خاصة في الباب المتعلق بجرائم أمن الدولة.

حيث تنص المواد 125 ,126,127,128، من القانون رقم 12 لسنة 1994 الخاص بجرائم وعقوبات اليمن:

المادة 125:

يعاقب بالإعدام كل من ارتكب فعلا بقصد المساس باستقلال الجمهورية او وحدتها او سلامة اراضيها ويجوز الحكم بمصادرة  كل او بعض امواله."

المادة 126:

يعاقب بالإعدام كل من تعمد ارتكاب فعل بقصد اضعاف القوات المسلحة بان:ـ

1ـ خرب او اتلف او عيب او عطل احد المواقع او القواعد او المنشأة العسكرية او المصانع او البواخر او الطائرات او طرق المواصلات او وسائل النقل او المرافق او الذخائر او المؤن او الادوية او غير ذلك مما اعد للدفاع عن البلاد او مما يستعمل في ذلك او اساء صنعها او اصلاحها او جعلها غير صالحة ولو مؤقتا للانتفاع بها فيما اعدت له او ان ينشا عنها ضرر

2ـ اذاع اخبار او بيانات او اشاعات كاذبة او مغرضة او عمد الى دعاية مثيرة وكان من شان ذلك كله الحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد او العمليات الحربية للقوات المسلحة او اثارة الفزع بين الناس او اضعاف الروح المعنوية في الشعب.

3ـ افشى سرا من اسرار الدفاع عن البلاد.

ويجوز الحكم بمصادرة كل او بعض امواله

مادة (127) يعاقب بالإعدام:

1ـ اليمني الذي يلتحق باي وجه بالقوات المسلحة لدولة في حالة حرب مع الجمهورية.

2ـ من سلم احد افراد القوات المسلحة الى العدو او ساعد احد اسراه على العودة الى صفوفه.

3ـ من امد العدو بالجند او الاشخاص او الاموال او كان له مرشدا.

ويجوز الحكم بمصادرة كل او بعض امواله.

مادة(128) يعاقب بالإعدام:

1ـ كل من سعى لدى دوله اجنبية او احد ممن يعملون لمصلحتها او تخابر معها او معه وكان من شان ذلك الاضرار بمركز الجمهورية الحربي او السياسي او الدبلوماسي او الاقتصادي.

2ـ كل من سلم دولة اجنبية او احد ممن يعملون لمصلحتها بأية صورة وبأية وسيله اخبار او معلومات او اشياء او مكاتبات او وثائق او خرائط او رسوما او صورا او غير ذلك مما يكون خاصا بالمصالح الحكومية او الهيئات العامة او المؤسسات ذات النفع العام وصدر امر من الجهة المختصة بحضر نشره او اذاعته.

3ـ كل من سلم دولة اجنبية او احد ممن يعملون لمصلحتها او افشى اليها او اليه بأية وسيله سرا من اسرار الدفاع عن البلاد او توصل بأية طريقه الى الحصول على سر من هذه الاسرار بقصد تسليمه او افشائه لدولة اجنبية او لاحد ممن يعملون لمصلحتها وكذلك كل من اتلف لمصلحة دوله شيئا يعتبر سرا من اسرار الدفاع او جعله غير صالح لان ينتفع به[9] (و(129)., 1994)

ب. قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (القانون رقم 1 لسنة 2010):

تم تعديل هذا القانون لمواكبة المعايير الدولية، ويشدد على منع تمويل الإرهاب ومعاقبة الأفراد أو الجهات الضالعة فيه و يُلزم المؤسسات المالية بالإبلاغ عن أي نشاط مشبوه قد يكون مرتبطًا بتمويل الإرهاب.

ج. الدستور اليمني:

ينص الدستور اليمني على حماية حقوق الإنسان وضمان الأمن الوطني، مما يضع إطارًا عامًا لمكافحة الإرهاب باعتباره تهديدًا للأمن الوطني.

3. العقوبات على الجرائم الإرهابية: ومن خلال ما سبق يمكن تلخيص العقوبات في التشريع اليمني والمتعلقة بالإرهاب بالتالي:

·      الإعدام: تُفرض على الجرائم الإرهابية الجسيمة مثل القتل الجماعي أو تفجير المنشآت الحيوية.

·      السجن المؤبد أو المؤقت: تُفرض على الجرائم ذات الطبيعة الأقل خطورة مثل التهديد باستخدام العنف.

·      مصادرة الأموال والممتلكات: خاصة في حالة تمويل الإرهاب.

4. التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب[10]: (المتحدة، 2009)

اليمن طرف في العديد من الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب، مثل:

اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.

اتفاقيات جامعة الدول العربية المتعلقة بمكافحة الإرهاب.

5. تحديات تطبيق التشريعات:

·      ضعف المؤسسات الأمنية والقضائية بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والانقسام الكبير الحادث في اليمن.

·      تصاعد الإرهاب نتيجة النزاعات الداخلية وانتشار الجماعات المسلحة.

·      ضعف الرقابة على تمويل الإرهاب نتيجة الانفلات الأمني.


المطلب الثاني: المؤامرة

تُعد المؤامرة من الجرائم التي تحظى باهتمام خاص في النظم القانونية والتشريعية، نظراً لتأثيرها المباشر على استقرار الدول وأمنها الداخلي. وبإمكاننا من خلال اطلاعنا في سياق هذا البحث تعريف المؤامرة قانونياً بأنها اتفاق بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جريمة أو أفعال غير قانونية تهدف إلى تحقيق أهداف تهدد النظام العام أو المصلحة العامة.

تنبع أهمية دراسة المؤامرة من كونها تمثل تحدياً مزدوجاً؛ فهي من جهة تتطلب إطاراً قانونياً صارماً لتعريفها وتحديد أركانها وأطرافها، ومن جهة أخرى تستدعي وسائل تشريعية فعالة للتصدي لها ومنعها. إن الفهم القانوني والتشريعي لهذه الظاهرة يساعد في تحقيق التوازن بين حماية الحقوق والحريات الفردية وضمان الأمن والاستقرار المجتمعي.

يأتي اختيار هذا الموضوع في ظل الحاجة المتزايدة إلى فهم أبعاد المؤامرة في السياق القانوني، خاصة مع تطور أساليب التخطيط والتنفيذ لهذه الجرائم نتيجة التغيرات التقنية والاجتماعية.

1-2-1: تعريف المؤامرة

لمعرفة المقصود بجريمة المؤامرة يجب أولا معرفة معناها اللغوي وذلك في اللغة العربية ثم التطرق للتعريف الاصطلاحي.

التعريف اللغوي:

آمر فلانا في الأمر مؤامرة، شاوره (إستأمره): طلب أمره واستشاره[11] (انيس، الطبعة الثانية)

وفي معجم المعاني الجامع (معجم عربي عربي عرفها: مؤامرة (إسم) مؤامرات: الجمع، مصدر أمر مكيدة للقيام بعمل معاد إزاء حكم بلد أو شخص خفية ويصممون على تنفيذه ضد شخص أو مؤسسة أو أمن دولة.

التعريق الاصطلاحي:

يمكننا الإحاطة بتعريف المؤامرة اصطلاحا من خلال النصوص التي تناولتها معظم القوانين العربية والموضحة ادناه

المؤامرة هي التصميم المدبر بين شخصين أو أكثر بغرض القضاء على نظام حكم أو تغييره، أو بغرض الاعتداء على أمن الدولة وسلامتها وتقوم المؤامرة بمجرد اتفاق شخصين أو أكثر على التصميم على ارتكابها، وقد ورد تعريف المؤامرة أو التآمر في المادة 78 من قانون العقوبات الجزائري المعدل والمتمم، والتي تنص في فقرتها الثالثة على: ..... وتقوم المؤامرة بمجرد اتفاق شخصين أو أكثر على التصميم على ارتكابها ....... والتي تقابلها المادة 107 من قانون العقوبات الأردني (والتي تنص على: المؤامرة هي كل اتفاق بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جريمة بوسائل معينة.)

والمادة 48 من قانون العقوبات المصري والمادة 260 من قانون العقوبات السوري والتي نصت على: (كل اتفاق تم بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جريمة معينة)

1-2-2 اركان جريمة المؤمرة[12] (سعودي، 2016)

1-2-2-1 الركن الشرعي لجريمة المؤامرة

وفقًا لدراسة "جريمة المؤامرة (دراسة مقارنة)" يشير إلى الأساس القانوني الذي تستند إليه الجريمة، ويشمل النقاط التالية:

1.   تجريم الفعل موضوع المؤامرة:

o      يجب أن يكون الفعل الذي اتفق عليه الأطراف متوافقًا مع نصوص قانونية تجرّمه.

o      الاتفاق على فعل غير مجرّم قانونيًا لا يحقق الركن الشرعي لجريمة المؤامرة.

2.   التحديد القانوني للجريمة:

o      المؤامرة تُعرَّف وتُجرّم وفقًا لنصوص قانونية في التشريعات الوطنية أو الدولية.

o      هذه النصوص تحدد الجرائم التي يُمكن أن تقع تحت مفهوم المؤامرة، مثل الجرائم ضد أمن الدولة أو الجرائم الجنائية الخطيرة.

3.   التزام القاعدة القانونية:

o      يعتمد الركن الشرعي على قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، أي أنه لا يمكن اعتبار فعلٍ ما مؤامرة إلا إذا كان هناك نص قانوني واضح يُجرّمه.

1-2-2-2 الركن المادي لجريمة المؤامرة يتمثل في مجموعة من العناصر الملموسة التي تدل على وجود الاتفاق بين الأطراف، ويمكن تلخيصه في النقاط التالية:

1.   وجود اتفاق بين شخصين أو أكثر:

o      الاتفاق هو العنصر الأساسي في الركن المادي.

o      يمكن أن يكون الاتفاق صريحًا (كتابيًا أو شفهيًا) أو ضمنيًا (مفهومًا من سلوك الأطراف).

2.   توافر فعل أو أفعال مادية تدل على الاتفاق:

o      مثل الاجتماعات أو المراسلات أو أي إجراء يثبت التفاهم بين الأطراف.

o      لا يُشترط تنفيذ الجريمة المتفق عليها؛ مجرد الاتفاق كافٍ لتكوين الركن المادي.

3.   اتجاه الاتفاق إلى ارتكاب جريمة معينة:

o      يجب أن يكون الهدف من الاتفاق واضحًا ومحددًا بارتكاب فعل غير قانوني.

o      الاتفاق العام على أفعال غير محددة لا يحقق الركن المادي.

4.   ثبوت مشاركة الأطراف جميعهم:

o      يجب أن يكون هناك دليل على مساهمة كل طرف في الاتفاق.

o      عدم مشاركة أحد الأطراف في الاتفاق يُخرجه من إطار المسؤولية الجنائية عن المؤامرة.

1-2-2-3 الركن المعنوي لجريمة المؤامرة

يتعلق الركن المعنوي بالجانب النفسي للجريمة، ويمكن تلخيصه في النقاط التالية:

1.   وجود القصد الجنائي العام:

o      يتطلب إدراك المتآمرين أن الفعل المتفق عليه غير قانوني.

o      يشمل العلم بطبيعة الجريمة محل الاتفاق.

2.   توفر الإرادة المشتركة:

o      يجب أن تكون لدى جميع الأطراف إرادة حقيقية لتنفيذ الجريمة المتفق عليها.

o      الإرادة المشتركة تظهر في التفاهم المتبادل لتحقيق الهدف الإجرامي.

3.   القصد الجنائي الخاص (حسب الجريمة):

o      في بعض الحالات، يُشترط أن يكون للمتآمرين قصد خاص يتعلق بنوع الجريمة (مثل نية الإضرار بالدولة أو الأفراد).

 

1-2-2-4 الركن الخاص لجريمة المؤامرة

يتعلق الركن الخاص بالعناصر الفريدة التي تميز جريمة المؤامرة، ويمكن تلخيصه كالتالي:

1.   تعدد الجناة:

o      جريمة المؤامرة تتطلب وجود أكثر من طرف، فلا تُرتكب من قبل شخص واحد.

2.   وجود رابطة بين الأطراف:

o      يجب أن تكون هناك علاقة واضحة تجمع بين الأطراف (اتفاق مشترك على الجريمة).

3.   عدم اشتراط تنفيذ الجريمة:

o      المؤامرة جريمة مكتملة بمجرد الاتفاق، بغض النظر عن تنفيذ الفعل الإجرامي محل الاتفاق.

4.   طبيعة الجريمة محل الاتفاق:

o      يجب أن تكون الجريمة موضوع الاتفاق خطيرة بما يكفي لتُشكّل تهديدًا على الأمن العام أو مصلحة قانونية محمية.[13] (سعودي، 2016)

 

 

 

 

 

 

جريمة المؤامرة في القانون اليمني

في القانون اليمني، تُعد جريمة المؤامرة من الجرائم التي تُصنف ضمن الجرائم الجنائية الخطيرة، وتعالجها نصوص قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 لسنة 1994. يتم تناول المؤامرة في إطار الأعمال التي تُشكل تهديدًا للأمن القومي أو النظام العام أو تُفضي إلى ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون.

وتقوم على ثلاثة أركان رئيسية، وهي:

1.   الركن المادي

وهو النشاط أو الفعل المادي المتمثل في الاتفاق بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جريمة أو الشروع فيها.

  • عناصره:

1.   وجود اتفاق: يتمثل في توافق إرادات شخصين أو أكثر لتنفيذ الجريمة.

2.   نية تنفيذ الفعل: لا يكفي مجرد التفاهم العام، بل يجب أن يكون هناك اتفاق محدد على ارتكاب فعل غير قانوني.

3.   عدم اشتراط التنفيذ: المؤامرة تُعتبر جريمة بمجرد التوصل إلى الاتفاق، حتى وإن لم تُنفذ الجريمة محل الاتفاق.

المرجع القانوني:

  • المادة (23) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني: تتحدث عن الشروع في الجرائم، وتنطبق على المؤامرات باعتبارها تمهيدًا لارتكاب الجريمة.
  • المادة (126): تعاقب على التعاون أو الاتفاق الذي يؤدي إلى الإضرار بأمن الدولة.

2.   الركن المعنوي

وهو القصد الجنائي أو النية الإجرامية لدى المتآمرين.

  • عناصره:

1.   القصد العام: توفر الإرادة والعلم بكون الاتفاق يهدف إلى ارتكاب جريمة.

2.   القصد الخاص: وجود نية لتحقيق نتيجة معينة (مثل الإضرار بالأمن القومي أو تنفيذ جريمة محددة).

المرجع القانوني:

  • المادة (3) من القانون توضح أن القصد الجنائي يتحقق بتوافر الإرادة لارتكاب الجريمة أو التسبب في نتيجة يعاقب عليها القانون.

3.   الركن القانوني

وهو النص القانوني الذي يُجرم فعل المؤامرة ويحدد العقوبات المقررة لها.

  • في القانون اليمني، جريمة المؤامرة تُجرم استنادًا إلى النصوص التي تعاقب على الجرائم الماسة بأمن الدولة أو الجرائم ذات الطابع العام التي تتطلب التخطيط والاتفاق.

العقوبات المرتبطة بالمؤامرة:

القانون اليمني يفرض عقوبات على المؤامرة في الحالات التالية:

أ- المؤامرة للإضرار بأمن الدولة:

  • تنص المواد (125-128) من قانون الجرائم والعقوبات على العقوبات المتعلقة بالمؤامرات التي تستهدف المساس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي حيث قد تصل العقوبة إلى الإعدام إذا كان الهدف من المؤامرة هو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو أمنها القومي.

المادة 125: جريمة المساس باستقلال الجمهورية

  • يُعاقب بالإعدام كل من ارتكب فعلًا بقصد المساس باستقلال الجمهورية أو وحدتها أو سلامة أراضيها.

المادة 126: التعاون مع العدو

يُعاقب بالإعدام:

كل من التحق أثناء الحرب بالقوات المسلحة لدولة في حالة حرب مع الجمهورية اليمنية.

كل من سهل دخول العدو إلى أراضي الجمهورية أو سلم جزءًا منها.

كل من قدم للعدو أسلحة أو ذخائر أو مؤناً أو أموالًا أو غيرها من الوسائل التي تساعده في تحقيق أهدافه.

المادة 127: التجسس لصالح دولة أجنبية

  • يُعاقب بالإعدام كل من قام بالتخابر مع دولة أجنبية أو أحد عملائها بقصد الإضرار بمركز الجمهورية الحربي أو السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي[14].

المادة 128: الدعوة للعدوان على الجمهورية

  • يُعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد عن 15 سنة كل من قام أثناء الحرب بدعاية أو ترويج لدولة معادية أو عمل لصالحها بأي وسيلة بقصد الإضرار بالعمليات الحربية للجمهورية أو إضعاف الروح المعنوية للمقاتلين.

ب- المؤامرة ضد السلطات العامة:

  • إذا كانت المؤامرة تهدف إلى الاعتداء على سلطات الدولة أو مؤسساتها (مثل الجيش أو الشرطة)، فإن القانون يفرض عقوبات مشددة تصل إلى السجن المؤبد.

ومن العقوبات المتعلقة أيضا المتعلقة بأمن الدولة

1.   المؤامرة ضد أمن الدولة:

o      نص القانون: وفقًا للمادة (136) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات كل من أذاع أو نشر أخبارًا أو بيانات كاذبة أو مغرضة بهدف تكدير الأمن العام أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

§       هذه العقوبة تُظهر حرص المشرّع اليمني على حماية استقرار الدولة من الشائعات والأخبار المغرضة التي قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية أو سياسية.

§       الحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات يعتبر عقوبة معتدلة نسبيًا، وربما تهدف إلى الردع دون المبالغة في التشدد، خاصة إذا كانت الأفعال لم تؤدِّ إلى نتائج كارثية.

2.   التآمر لإحداث اضطراب اجتماعي أو اقتصادي:

o      نص القانون: يُمكن تطبيق مواد قانونية أخرى بناءً على طبيعة الجريمة، مثل المواد المتعلقة بالإضرار بالاقتصاد الوطني، والتي قد تصل عقوباتها إلى الغرامات الكبيرة أو السجن لمدد طويلة.

§       المشرّع اليمني أخذ في الاعتبار أن التآمر ليس دائمًا ماديًا أو عدوانيًا، بل يمكن أن يكون اقتصاديًا أو اجتماعيًا.

§       مثل هذه العقوبات مرنة وتعتمد على نتائج المؤامرة.

ظروف التشديد أو التخفيف:

  • ظروف التشديد:
    • إذا كان أحد المتآمرين موظفًا عامًا أو من رجال الأمن أو الجيش.
    • إذا استُخدمت وسائل عنف أو تهديد أثناء تنفيذ المؤامرة.
  • ظروف التخفيف:
    • إذا أبلغ أحد المتآمرين السلطات بالجريمة قبل تنفيذها.

خلاصة:

القانون اليمني يتعامل مع المؤامرة بصرامة، خاصة إذا كانت تهدد أمن الدولة أو النظام العام. يولي اهتمامًا بتحديد نية الأطراف والهدف من الاتفاق، ويُعاقب عليها وفقًا لخطورتها وتأثيرها[15].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثالث

جرائم أمن الدولة على المستوى الخارجي

جريمة التجسس والخيانة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول جريمة التجسس

تُعد جريمة التجسس من أخطر الجرائم التي تهدد أمن الدول واستقرارها، إذ تنطوي على تسريب معلومات حساسة تتعلق بأسرار الدولة إلى جهات أجنبية، سواء كانت هذه المعلومات ذات طبيعة عسكرية، سياسية، اقتصادية، أو أمنية. هذه الجريمة تمثل خرقًا خطيرًا للثقة الوطنية، وتهدف بشكل مباشر إلى الإضرار بسيادة الدولة وسلامتها.

في هذا المبحث، سنسلط الضوء على جريمة التجسس من خلال تناول عدد من المحاور الأساسية التي توضح ماهيتها وأبعادها. سنبدأ بـ مفهوم جريمة التجسس لتوضيح معانيها ومكوناتها، ثم ننتقل إلى نطاق جريمة التجسس لتحديد المجالات التي تغطيها هذه الجريمة. بعد ذلك، سنتناول أركان جريمة التجسس والتي تُبرز العناصر التي يجب توافرها لقيام الجريمة قانونًا. وأخيرًا، سنتعرض إلى عقوبة جريمة التجسس في القانون اليمني لبيان موقف التشريع اليمني من هذه الجريمة وخطورة العقوبات المقررة لها.

مفهوم التجسس

أولًا: تعريف التجسس في اللغة

  • التجسس لغةً مأخوذ من الجذر الثلاثي (جَسَّ)، ويعني التفتيش والتحقق بدقة عن الأمور الخفية.
  • يُقال: تجسس الخبر، أي بحث عنه وكشفه. ويُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى محاولة معرفة الأسرار أو ما يخفيه الآخرون.
  • ورد في لسان العرب لابن منظور: "التجسس هو التتبّع بالبحث عن العيوب أو الأخبار[16]" (منظور, الصفحة 38).
  • الفرق بين "التجسس" و"التحسس" في اللغة: التجسس غالبًا ما يكون في الشر والسعي لكشف العيوب، بينما التحسس يكون في الخير.

ثانيًا: تعريف التجسس في الشرع

  • التجسس في الشريعة الإسلامية يعني التتبع والبحث عن عورات أو أسرار الآخرين بدون إذن.
  • ورد النهي عن التجسس في القرآن الكريم والسنة النبوية:
    • قال الله تعالى: "وَلَا تَجَسَّسُوا" (سورة الحجرات: 12)، حيث جاء التحريم صريحًا في سياق النهي عن تتبع عورات الناس.
    • في السنة النبوية، قال رسول الله ﷺ: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم" (رواه الترمذي.
  • يُنظر إلى التجسس في الإسلام على أنه سلوك محرم إذا كان يتعلق بالتجسس على المسلمين أو كشف خصوصياتهم، لكنه يجوز أحيانًا إذا كان لحماية أمن الدولة والإبلاغ عن جرائم تضر بالمصلحة العامة.

وجاء تعريف العين عند الحنفية العين هو جاسوس القوم فيطلع على عورات المسلمين وينهى الخبر إلى دارهم.

وعند المالكية والشافعية: الجاسوس هو الشخص الذي يطلع على عورات المسلمين وينقل أخبارهم للعدو وهذا التعريف يتضمن عنصرين أساسيين هما: الاطلاع على عورات المسلمين وهو البحث والتفتيش عما يخص الأخبار والمعلومات السرية للاستفادة منها في تقوية الدفاع العسكري أو رفع المستوى التكنولوجي، ونقل الأخبار أو المعلومات لجهة مهتمة بالمعلومات كالعدو.

 

 

ثالثًا: تعريف التجسس في القانون

أ: التعريف التقليدي للتجسس في الفقه الفرنسي

يمكن إجمال أهم التعريفات التقليدية للتجسس في الفقه الفرنسي في:

تعريف "رنييه جاور" يعرف التجسس بأنه قيام الأجنبي بجمع الوثائق والمعلومات السرية المتعلقة بالوضع السياسي والاقتصادي والموارد العسكرية والتنظيم الدفاعي والهجومي للدولة، وذلك بقصد تسليمها إلى الدول الأجنبية سواء كان ذلك مجانا أو بمقابل[17] (حافظ، الحماية الجنائية لأسرار الدولة دراسة تطبيقية لجرائم الخيانة ).

من هذا التعريف نلاحظ أنه تم تجاوز المفهوم القديم للتجسس الذي كان يربط بين تجريم التجسس وزمن الحرب ولهذا فيمكن أن يقع التجسس في زمن السلم، كما قام بتحديد المحل الموضوعي والقانوني للتجسس والمتمثل في المعلومات السرية التي تتعلق بالجوانب العسكرية والخطط الحربية وأساليب الدفاع والهجوم.

ب تعريف التجسس في الفقه العربي: حاول بعض الفقهاء العرب وضع تعريف للتجسس وأهم هاته التعاريف:

تعريف الدكتور يوسف الشقرة": "يعرف التجسس على أنه فعل أي شخص يسعى لتسليم أو إيصال معلومات أو وثائق إلى شخص غير موصوف، أو إلى عميل دولة أجنبية، أو يحاول الدخول إلى مكان محظور أو سرقة أو الحصول على تلك المعلومات أو الأشياء أو الذي يقوم بإذاعتها بدون مبرر والتي يجب أن تظل سرية"، وذلك مراعاة لمصلحة أمن وسلامة الدولة.

ويلاحظ في هذا التعريف قد حلل المحل القانوني للتجسس في الأشياء أو المعلومات أو الوثائق السرية المتعلقة بسلامة الدولة.

 

كما أن الدكتور يوسف الشقرة قد حصر من خلال تعريفه للتجسس في نطاق الجرائم العمدية، أما الأفعال التي ترتكب عن طريق الخطأ يؤدي إلى انتهاك في السر إنها لا تدخل في مفهوم التجسس حسب هذا التعريف[18]. (حافظ، الحماية الجنائية لأسرار الدولة دراسة تطبيقية لجرائم الخيانة )

  • التجسس في القانون يُعرف بأنه: "قيام شخص بنقل أو إفشاء معلومات أو أسرار تتعلق بأمن الدولة إلى دولة أجنبية أو جهات معادية، بقصد الإضرار بأمن الدولة أو مصالحها".
  • يُشترط في التجسس القانوني أن تكون المعلومات موضوع الجريمة من الأسرار التي تحميها الدولة قانونًا، وأن تكون الجريمة ذات طابع عمدي بقصد الإضرار بأمن الدولة.
  • ورد تعريف التجسس ضمن القوانين التي تحمي أمن الدولة في العديد من التشريعات. في القانون اليمني (قانون الجرائم والعقوبات رقم 12 لسنة 1994)، التجسس يُعتبر جريمة ماسة بأمن الدولة، كما في المادة (127) التي تنص على معاقبة من يتخابر مع دولة أجنبية أو أحد عملائها للإضرار بأمن الدولة أو مصالحها.

 

 

 

نطاق جريمة التجسس

يتحدد نطاق التجسس في العديد من التشريعات الجنائية بأسرار الدفاع الوطني إذ يتجه المشرع إلى تجريم كل الأفعال والأنشطة التي تؤدي إلى انتهاك حرمة أسرار الدفاع الوطني، فالتجسس في حقيقته هو كل نشاط يستهدف الدفاع الوطني لدولة معينة قد تحقيق امتياز لدولة أجنبية، وهذا يعني بأنه لا وجود للتجسس ما لم يكن هناك سلوك يستهدف العدوان على المقومات التي يعتمد عليها الدفاع لدولة معينة[19] (برهان، 2017-2018)

اركان جريمة التجسس:

       أ‌-       الركن القانوني

هو النص القانوني الذي يحدد الفعل المجرّم ويبين العقوبة المقررة له ونشير فيه الى النص القانوني الذي يجرم الفعل.

المادة (128) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني تنص على: 
"
يعاقب بالإعدام كل من سلم أو أفشى لدولة أجنبية أو لأحد عملائها أو لأي شخص يعمل لمصلحتها أسراراً دفاعية عن البلاد أو توصل إلى الحصول عليها بقصد تسليمها أو إفشائها سواء كان ذلك مباشرة أو بواسطة شخص آخر، أو أتلف لمصلحة دولة أجنبية شيئاً يعتبر سراً من أسرار الدفاع عن البلاد."

المادة (129) توضح
يعاقب بالعقوبة المقررة في المادة السابقة كل من سهل لدولة أجنبية أو لأحد عملائها بأي وسيلة الدخول إلى مكان من الأماكن العسكرية أو أية معلومات تتعلق بالدفاع عن البلاد[20]." (و(129).، 1994)

     ب‌-     الركن المادي

هو النشاط الإجرامي الظاهر الذي يتمثل في الفعل الملموس الذي يرتكبه الجاني.

يعتبر الركن المادي للجريمة ذات أهمية بالغة في القانون الجنائي، وفي علم الإجرام والعقاب، فمهما دار في ذهن الفرد من أفكار إجرامية، ومهما ساوره في خلجات ضميره، من نيات شريرة، فإن ذلك كله لا قيمة له في عين المنطق؛ لأن التفكير، والاعتقاد، والنية لا يحدث أي تغيير في الواقع الخارجي، ولا يترتب عليه أي نتيجة تذكر، كذلك الأمر في نظر القانون، وأجهزة العدالة الجنائية، فلا يعاقب القانون على التفكير بالجريمة، ما دام أن الأمر قد توقف عند حدود التفكير لا أكثر، ولم يتجاوز تلك الحدود[21]. (نجيب، 1977)

يتحقق الركن المادي من خلال الأفعال التالية:

1.   تسليم الأسرار: تقديم معلومات سرية لدولة أجنبية أو عملائها.

2.   إفشاء الأسرار: كشف معلومات ذات طبيعة سيادية أو عسكرية بوسائل مختلفة.

3.   التخابر مع جهات أجنبية: الاتصال والتعاون مع جهات خارجية معادية لتحقيق أهدافها ضد مصلحة الدولة.

4.   تسهيل الدخول إلى أماكن عسكرية أو ذات طابع سيادي: تقديم المساعدة للجهات الأجنبية للوصول إلى مواقع حساسة.

شروط تحقق الركن المادي:

  • أن تكون المعلومات أو الأسرار متعلقة بالدفاع أو السيادة.
  • أن يتم تقديم هذه المعلومات إلى جهة أجنبية أو عميل يعمل لصالحها.
  • أن يكون الفعل ماديًا وملموسًا.

     ت‌-      الركن المعنوي

هو القصد الجنائي المتوفر في نفس الجاني، ويتطلب توافر عنصرين:

  • العلم: إدراك الجاني أن المعلومات أو الأفعال التي يقوم بها تشكل خطرًا على أمن الدولة.
  • الإرادة: توجه الإرادة نحو تحقيق هدف الإضرار بأمن الدولة أو مصلحتها.

ويمكننا ان نقول انه في التجسس

  • يشترط أن يكون الجاني عالمًا بأن المعلومات المسلمة أو المفشاة تُعدّ من أسرار الدفاع.
  • يجب أن يكون لديه نية الإضرار بأمن الدولة، لا مجرد الخطأ أو الإهمال[22] (عبد العزيز جاويش، "القصد الجنائي في جرائم أمن الدولة"، مجلة القانون الجنائي، 2007)

وتكمن أهمية الركن المعنوي في انه

  • يميز بين الجريمة العمدية والخطأ غير المقصود.
  • يثبت وجود النية الإجرامية لدى الجاني، مما يؤكد خطورة الفعل.

     ث‌-     الركن الخاص (صفة الجاني أو المجني عليه)

هو الشرط الخاص الذي قد يتطلبه القانون في الجاني أو في موضوع الجريمة.

يشترط القانون في بعض الحالات أن تكون المعلومات أو الأسرار ذات طابع دفاعي، أو أن الجاني لديه صفة أو وسيلة تمكنه من الوصول إلى تلك المعلومات، مثل:

    • كونه موظفاً عاماً أو يعمل في جهة سيادية.
    • كونه مكلفاً بمهمة ترتبط بأسرار الدولة.
    • لا يمنع القانون معاقبة المدنيين الذين لا يحملون هذه الصفة، إذا ثبت تورطهم.
  • طبيعة الأسرار:
    • يشترط أن تكون الأسرار ذات طابع دفاعي أو عسكري أو سيادي.
    • يجب أن تكون المعلومات محمية من قبل الدولة وغير متاحة للجمهور.

أهمية الركن الخاص:

  • يبرز التمييز بين التجسس وبين الأفعال المشابهة ذات الخطورة الأقل.
  • يحدد نطاق الحماية القانونية للمعلومات.

ويتبين لنا مما سبق أركان جريمة التجسس تشكل منظومة قانونية تهدف إلى حماية أمن الدولة وسلامتها من التهديدات الداخلية والخارجية، يعتمد القضاء اليمني على التحقق من هذه الأركان بدقة لضمان معاقبة المجرمين الحقيقيين وحماية الحقوق العامة والخاصة.

 

 

عقوبة جريمة التجسس في القانون اليمني[23]

القانون اليمني ينظر إلى جريمة التجسس كجريمة خطيرة تهدد أمن الدولة وسلامتها، ولذلك خصها بعقوبات مشددة تتناسب مع طبيعتها. العقوبة الأساسية لهذه الجريمة منصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 لسنة 1994.

المادة (128) من قانون الجرائم والعقوبات:

  • نصت على أن:
    "
    يعاقب بالإعدام كل من سلم أو أفشى لدولة أجنبية أو لأحد عملائها أو لأي شخص يعمل لمصلحتها أسراراً دفاعية عن البلاد أو توصل إلى الحصول عليها بقصد تسليمها أو إفشائها سواء كان ذلك مباشرة أو بواسطة شخص آخر..."

مبررات تشديد العقوبة

  • الطبيعة السيادية للمعلومات: الأسرار أو المعلومات التي يتم التعامل معها غالبًا ما تتعلق بالدفاع الوطني، مما يجعل تسريبها تهديدًا مباشرًا لسيادة الدولة.
  • التعاون مع أطراف معادية: الجريمة عادة ما تتضمن العمل لصالح دولة أجنبية أو جهات معادية، مما يعكس نية واضحة للإضرار بالدولة.
  • التهديد المباشر للأمن القومي: التجسس يعرض البلاد لمخاطر أمنية واقتصادية وسياسية قد تؤثر على استقرارها.

 

الإجراءات القانونية لتطبيق العقوبة

أ. التحقيق والتحري

  • تبدأ القضية ببلاغ أو معلومات تحصل عليها السلطات المختصة (الأمن القومي أو الاستخبارات).
  • يتم جمع الأدلة التي تثبت:
    • تسريب أو إفشاء معلومات سرية.
    • التخابر مع جهات أجنبية.
  • تُحاط القضية بسرية تامة نظرًا لحساسيتها.

ب. الإحالة إلى النيابة العامة

  • النيابة العامة تتولى التحقيق في القضية.
  • يتم توجيه الاتهام بناءً على الأدلة المادية (وثائق، مراسلات، شهادات).
  • تصاغ التهم وفق المواد (128) و(129) من قانون الجرائم والعقوبات.

ج. إحالة القضية إلى المحكمة

  • يتم إحالة القضية إلى محكمة متخصصة (عادةً المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا أمن الدولة والإرهاب).

 إجراءات المحاكمة

  • تُعقد جلسات المحاكمة بسرية في كثير من الأحيان نظرًا لطبيعة المعلومات المرتبطة بالجريمة.
  • يحق للمتهم:
    • الحصول على محامٍ.
    • تقديم أدلة تنفي الاتهام.
    • طلب شهود الدفاع.

أ. الإثبات

  • يتطلب القانون اليمني وجود أدلة قاطعة تثبت:
    • تسريب المعلومات إلى جهة أجنبية.
    • قصد الجاني في الإضرار بأمن الدولة.
  • أدلة الإثبات قد تشمل:
    • مراسلات إلكترونية.
    • تسجيلات صوتية.
    • شهود عيان.

ب. الحكم

  • إذا ثبتت الجريمة، تُصدر المحكمة حكمًا بالإعدام، وفقًا لنص المادتين (128) و (129).
  • إذا لم يتم التحقق من القصد الجنائي أو توافرت ظروف تخفيفية، قد تصدر عقوبة أقل، مثل السجن المؤبد.

تطبيق العقوبة (الإعدام)

أ. الإجراءات بعد الحكم

  • بعد صدور حكم الإعدام، يتم رفع الحكم إلى المحكمة العليا للمراجعة.
  • يجب أن يصدق رئيس الجمهورية على الحكم قبل تنفيذه.

ب. التنفيذ

  • يتم تنفيذ حكم الإعدام بطريقة رسمية وبإشراف جهات قضائية وأمنية.
  • غالبًا ما يُنفذ في القضايا التي تنطوي على تهديد خطير للأمن القومي.

ب. التحديات

  • صعوبة الإثبات: نظرًا لأن التجسس جريمة خفية بطبيعتها، قد يصعب الحصول على أدلة مباشرة.
  • تسييس القضايا: في بعض الحالات، قد تُستخدم تهمة التجسس كأداة لتصفية حسابات سياسية.
  • حماية حقوق المتهم: لضمان عدالة المحاكمة، يجب أن يُمنح المتهم حقوقه القانونية كاملة.

الظروف المخففة والمشددة للعقوبة

أ. الظروف المخففة

  • تعاون المتهم مع السلطات لكشف شبكة التجسس.
  • الإبلاغ الطوعي عن الجريمة قبل حدوث الضرر.
  • التأكد من أن المعلومات التي تم تسريبها لا تحمل أهمية كبرى.

ب. الظروف المشددة

  • إذا كان المتهم جزءًا من شبكة تجسس واسعة.
  • إذا كانت المعلومات المسربة ذات طابع استراتيجي أو تتعلق بالدفاع الوطني.
  • إذا أدى الفعل إلى خسائر كبيرة أو تهديد مباشر لأمن الدولة.

 

 

المطلب الثاني: جريمة الخيانة

تعريف الخيانة لغة:

الخيانة في اللغة العربية مشتقة من الجذر الثلاثي "خون"، الذي يدل على النقص والغدر. يُقال: "خان الشخص" أي نقض الأمانة وغدر بالعهود.

الخيانة في اللغة: خان خونا وخيانة ومخانة فعل متعدي بنفسه، والخائن هو الذي خان ما جعل عليه أمينا.

والخيانة خون النصح وخون الود، وتعنى التفريط بالعهود والمواثيق، وضد الشفقة، والنقص أو الانتقاص من الشئ، وعدم النصح والاتهام، والتدليس، والبحث عن أخطاء الآخرين.

تعريف الخيانة اصطلاحًا:

في الاصطلاح، الخيانة تُعرف بأنها تصرف غير مشروع ينطوي على نقض الأمانة أو العهد المبرم بين طرفين، سواء كان ذلك في العلاقات الشخصية أو التعاملات العامة أو الواجبات الوطنية. وفي سياق الشريعة الإسلامية، تُعد الخيانة جريمة شرعية تُعاقب عليها، وتشمل الأفعال التي تُخل بالثقة الممنوحة للشخص وتؤدي إلى أضرار مادية أو معنوية للآخرين

وعرّفت الخيانة بأنها "أي فعل متعمد ينطوي على خيانة الولاء الوطني، ويمس سيادة الدولة أو أمنها القومي"[24]. (بن مكي نجاه، 2-2-2014)

مفهوم خيانة الأمانة في الشريعة الإسلامية

خيانة الأمانة بصفة عامة هي: مخالفة الحق بنقض العهد.[25] (القاسمي، 1377هـ / 1957م)

وهى حبس مال ليس عليه بينه ومنعه وعدم رده لأصحابه وجحده ومخاصمتهم للاستيلاء على هذا المال

وخيانة الأمانة هي انتقاص الحق على جهة المساترة، اي يعمل عمل المستر له ، فهو يعمل لنفسه عمل الخائن ، والتخون عنده التنقص ، وتغير الحال إلى ما لا ينبغي[26] (الطبرسي)

في الفقه الإسلامي:
يرى الفقهاء أن الخيانة تشمل كل فعل يؤدي إلى ضياع الأمانة أو الغدر بالعهود. وقد وردت أحكام الخيانة في نصوص شرعية عديدة، حيث تُعد جريمة شرعية تستوجب العقوبة إذا ثبتت.

في القانون الوضعي:

يشير القانون إلى الخيانة باعتبارها جريمة تتعلق بالإضرار بالثقة الممنوحة للشخص، وقد تُصنّف في بعض النظم القانونية كخيانة عظمى عندما تمس أمن الدولة وسلامتها.

أركان جريمة الخيانة المتعلقة بجرائم أمن الدولة في القوانين العربية

تُعتبر جريمة الخيانة في سياق الجرائم الماسة بأمن الدولة من أخطر الجرائم التي تهدد استقرار الدولة وسيادتها. تُجرّم القوانين العربية هذه الجريمة وفق ثلاثة أركان رئيسية: الركن القانوني، الركن المادي، والركن المعنوي.

الركن القانوني

والذي يحدد جريمة الخيانة كجريمة ماسة بأمن الدولة، ويضع العقوبة المناسبة لها ويمكننا فهمه من خلال ما تناولته بعض القوانين العربية نوجزها بالتالي

    • القانون المصري: نصت المواد من 77 إلى 85 من قانون العقوبات على الخيانة العظمى وجرائم أمن الدولة، مثل التخابر مع العدو.
    • القانون الجزائري: تناولت المادة 63 وما بعدها من قانون العقوبات الجرائم المتعلقة بالخيانة العظمى والتآمر ضد أمن الدولة.
    • القانون المغربي: المادة 181 وما يليها في القانون الجنائي تُجرّم أفعال الخيانة العظمى.
    • القانون اليمني: ينص قانون العقوبات اليمني على تجريم أفعال مثل التعامل مع دول أجنبية للإضرار بالمصالح الوطنية.

الركن المادي

وهو الفعل الإجرامي الملموس الذي يُرتكب ويُعتبر جريمة خيانة في سياق أمن الدولة حيث تلخص عناصره بالتالي

1.         النشاط الإجرامي: يشمل كل فعل أو سلوك يؤدي إلى تهديد أمن الدولة، مثل:

      • تسريب معلومات أو مستندات سرية.
      • التخابر مع دولة أجنبية أو جهة معادية.
      • الاشتراك في مؤامرات لقلب نظام الحكم.

2-  الوسيلة: يمكن أن يكون النشاط الإجرامي مباشرًا (مثل تقديم معلومات) أو غير مباشر (مثل تسهيل الاتصال بين أطراف معادية).

    • النتيجة: يجب أن تؤدي الأفعال إلى ضرر فعلي أو محتمل بأمن الدولة، مثل تعريض القوات المسلحة أو المصالح الاقتصادية للخطر.

الركن المعنوي

 القصد الإجرامي أو النية المبيتة لدى الجاني للقيام بأفعال تهدف إلى الإضرار بالدولة وعناصرة كالتالي

العلم: يجب أن يكون الجاني على علم بطبيعة أفعاله وأنها تشكل تهديدًا لأمن الدولة.

الإرادة: يتعين أن تكون هناك نية مبيته لإحداث ضرر مباشر أو غير مباشر بالدولة.

العقوبات وفق القانون اليمني لجريمة الخيانة

في القانون اليمني، جريمة الخيانة العظمى تعد من الجرائم الخطيرة التي تهدد أمن الدولة وسلامتها حيث تم تناول الخيانة العظمى في قانون العقوبات اليمني (المرسوم بقانون رقم 12 لسنة 1994م) وكذلك في قوانين أخرى ذات علاقة، وتحديدًا في النصوص المتعلقة بالأمن القومي وحماية الدولة من التهديدات الداخلية والخارجية.

النصوص القانونية المتعلقة بجريمة الخيانة العظمى في القانون اليمني:

1.   المادة 125 من قانون العقوبات اليمني
تُجرّم هذه المادة التخابر مع دول أجنبية للإضرار بأمن الدولة اليمنية، وقد نصت على ما يلي:

"يعاقب بالإعدام كل من تخابر مع دولة أجنبية أو منظمة أجنبية لارتكاب أعمال ضد الجمهورية اليمنية أو للإضرار بمصالحها."

هذه المادة تُعدّ من النصوص الأساسية التي تعاقب على الخيانة العظمى في سياق التخابر مع قوى معادية.

2.   المادة 126 من قانون العقوبات اليمني
هذه المادة توضح تجريم أي تصرف يهدف إلى مساعدة العدو أو تسهيل العمليات العدائية ضد الدولة، حيث يُعاقب:

"يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من قدم العون أو المساعدة لعدو خارجي أو قام بأي عمل يساعد العدو في تنفيذ أعمال عدائية ضد الجمهورية."

هذه المادة تركز على الأفعال التي تشمل الدعم اللوجستي أو العسكري لجهات معادية.

3.   المادة 127 من قانون العقوبات اليمني
تشير هذه المادة وبتصرف إلى عقوبة السجن للمجرم الذي يعترف بجريمة الخيانة العظمى ويعترف بدوره في الأعمال التي تهدد أمن الدولة:

"إذا تعاون الجاني مع السلطات في الكشف عن الخيانة العظمى وكان يعترف بتورطه في الجريمة، يجوز تخفيف العقوبة، وقد تصل إلى السجن لمدة قد لا تتجاوز 10 سنوات."

4.   المادة 128 من قانون العقوبات اليمني
تتعلق هذه المادة بالتحريض على ارتكاب الخيانة العظمى:

"يُعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من حرض على ارتكاب الخيانة العظمى أو على التخابر مع العدو."

5.   المادة 129 من قانون العقوبات اليمني
هذه المادة تنص على عقوبات تتعلق بالجرائم التي تمس سيادة الدولة:

"كل من يرتكب جريمة تجسس أو نقل معلومات عسكرية حساسة إلى أطراف أجنبية يعاقب بالسجن أو الإعدام، حسب جسامة الأضرار الناتجة عن الجريمة."

الخاتمة

وفي الختام، أرجو أن يكون هذا البحث قد أسهم في إثراء معارفي الشخصية كطالب، بالإضافة إلى تعزيز الجانب المعرفي لدى الراغبين من الطلاب والباحثين والدارسين المهتمين بالجوانب القانونية المتعلقة بأمن الدولة، وأن يساهم في تشجيع الطلاب في المزيد من الدراسات والتحليل في هذا المجال الهام

النتائج

·      أن جرائم أمن الدولة، سواء الداخلية مثل الإرهاب والمؤامرة، أو الخارجية مثل التجسس والتخابر، تشكل تهديدًا كبيرًا على استقرار الدولة وأمنها القومي.

·      إن تزايد الجرائم في الآونة الأخيرة نظرًا للأوضاع السياسية والإقليمية المعقدة جعلها تؤثر على استقرار النظام الداخلي والخارجي للدولة.

·      وجود تفاوت في تطبيق القوانين المتعلقة بالجرائم التي تمس أمن الدولة. بالرغم من النصوص الواضحة في قانون العقوبات اليمني، فإن بعض القوانين لا تُنفذ بفعالية في ظل الانقسام السياسي الحالي والاختلافات بين الأطراف المتنازعة على السلطة. هذا الوضع يعيق التنسيق بين المؤسسات الأمنية والقضائية.

·      لوحظ نقص في التدابير الوقائية لحماية أمن الدولة، سواء عبر تعزيز الأمن الداخلي أو التعاون الدولي، نتيجة الظروف السياسية الاستثنائية التي تعيشها البلاد.

·      تؤدي الصراعات الداخلية والانقسامات السياسية في اليمن إلى تفاقم الجرائم المرتبطة بأمن الدولة، حيث تستغل الأطراف المعادية هذه الأوضاع لتعقيد جهود المكافحة.

·      تعذر تناول بعض جوانب جرائم أمن الدولة بشكل كامل بسبب الانقسامات والصراعات السياسية.

·      تم رصد استخدام انتقائي للقوانين المتعلقة بأمن الدولة لملاحقة المعارضين السياسيين، بما في ذلك الإخفاء القسري وتنفيذ أحكام إعدام، مما يثير تساؤلات حول نزاهة الإجراءات القضائية وغياب المحاكمات العادلة.

التوصيات

·      تحديث القوانين المتعلقة بجرائم أمن الدولة لتتناسب مع التحديات الحديثة، مع إدخال نصوص تدعم التعاون الدولي لمكافحة الجرائم الأمنية، وضمان تطبيق القوانين بإنصاف ومساواة بعيداً عن التمييز أو الاستغلال السياسي، مع توضيح المفاهيم القانونية وتقليل اللبس لضمان العدالة.

·      إعادة بناء الأجهزة الأمنية من خلال التدريب المستمر واستخدام تقنيات متقدمة لجمع وتحليل المعلومات، مع تبني سياسات وقائية للحد من الفساد وتسريب المعلومات داخل المؤسسات، وضمان الشفافية في إجراءات المحاكمة والعقوبات.

·      إطلاق حملات توعوية لرفع وعي المجتمع بخطورة الجرائم الماسة بأمن الدولة، وترسيخ ثقافة الولاء الوطني، مع تعزيز التعاون مع الدول والمنظمات الدولية لتبادل المعلومات والخبرات الأمنية لمواجهة التهديدات المشتركة.

 

 

قائمة المصادر والمراجع

المراجع

1       ا.د سعد ابراهيم الاعظمي. (2012). جريمة السعي والتخابر في التشريع اليمني. مجلة جامعة الملكة اروى العلمية المحكمة. doi:https://doi.org/10.58963/qausrj.v1i8.46

2           ابراهيم انيس. (الطبعة الثانية). المعجم الوسيط ,معجم اللغة العربية. ص62.

3           ابن منظور. (الصفحة 38). لسان العرب (المجلد الجزء السادس).

4           أبو الفداء إسماعيل ابن كثير. (1937م ). تفسير القرآن العظيم . مصر : مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، 1937م ، ج3 ،ص 522 .

5           أبى على الفضل ابن الحسن الطبرسي. (بلا تاريخ). مجمع البيان في تفسير القرآن . بيروت : دار إحياء التراث العربي ،ج2 ، ص 133.

6           القانون رقم 12 لسنة 1994، المواد (128) ,(127),(126) و(129). (1994). قانون الجرائم والعقوبات اليمني. https://agoyemen.net/lib_details.php?id=5.

7           الموسوعة القرآنية. (4 12, 2024). تاريخ الاسترداد 1 12, 2024، من شرح تفسير ابن كثير: https://quranpedia.net/book/704/30/4

8           بسمة سعودي. (2016). جريمة المؤامرة (دراسة مقارنة)". جامعة العربي التبسي، كلية الحقوق،تبسة,الجزائر.

9           حسني محمود نجيب. (1977). شرح قانون العقوبات، القسم العام، ص: 363 (المجلد الطبعة الرابعة). القاهرة: دار النهضة العربية.

10        د / هدى حامد قشقوش. (2006). شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، جرائم الاعتداء على الأموال. القاهرة : دار النهضة العربية.

11        د.احمد علو. (11-3-2024 تشرين الثاني, 2013). الإرهاب في مفهومه وتداعياته من تحديدات اللغة إلى تباين وجهات النظر. تم الاسترداد من مجلة الجيش ,العدد 340: www.lebarmy.gov

12        رزق الله برهان. (2017-2018). التجسس (جرائم امن الدولة). رسالة ماجستير,كلية الحقوق ,جامعة العربي التبسي,تبسه,الجزائر.

13        شرح النووي على مسلم ص 197. (3 12, 2024). تم الاسترداد من https://www.islamweb.net

14        عبد العزيز جاويش، "القصد الجنائي في جرائم أمن الدولة"، مجلة القانون الجنائي، 2007. (بلا تاريخ).

15        عصام عبدالفتاح عبدالسميع مطر. (2008). الجريمة الإرهابية. مصر: دار الجامعة الجديدة الاسكندرية.

16        علي عمر مفتاح، إيمان محمد عباس، أحمد محمد حسني. (2015). الإرهاب في الإسلام والغرب. دراسات,علوم الشريعة والقانون(العدد 2). تم الاسترداد من https://archives.ju.edu.jo/index.php/law/article/download/6399/4689/15510

17        قانون الجرائم والعقوبات اليمني. بشأن الجرائم والعقوبات. تأليف الصادر بقرار جمهوري رقم (12) لسنة 1994م . اليمن.

18        قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب. (لسنة 2010). القانون رقم 1. اليمن.

19        مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزكابادى. القاموس المحيط ، الطبعة 7 ، ص 220 .

20        مجدي محب حافظ. (1997). الحماية الجنائية لأسرار الدولة دراسة تطبيقية لجرائم الخيانة، القاهرة، ط 1997. القاهرة.

21        محمد الخامس نبالي. (2022-2023). الجرائم الماسة بأمن الدولة في التشريع الجزائري. تأليف رسالة ماجستير تخصص قانون جنائي. جامعة العربي التبسي,تبسة الجزائر.

22        محمد جمال الدين القاسمي. (1377هـ / 1957م). محاسن التأويل. مصر : دار أحياء الكتب العربية .

23        محمد صبحي نجم. (2011). قانون العقوبات القسم العام,الطبعة الأولى. الأردن: دار الثقافة للنشر.

24        محمد عودة الجبور. (2010). الجرائم الواقعة على أمن الدولة وجرائم الإرهاب في القانون الأردني والقوانين العربية. عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع.

25        محمود بوقطيف بن مكي نجاه. (2-2-2014). الخيانة العظمى الجريمة ماسة بأمن الدولة في القانون الجزائري. خنشلة -الجزائر: كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة عباس لغرور خنشلة.

26        وثيقة صادرة عن الامم المتحدة. (2009). دراسة حول تشريعات مكافحة الارهاب في دول الخليج العربية واليمن. فيينا.

 

تم بحمد الله



1           [1] د.احمد علو. (11-3-2024 تشرين الثاني, 2013). الإرهاب في مفهومه وتداعياته من تحديدات اللغة إلى تباين وجهات النظر. تم الاسترداد من مجلة الجيش ,العدد 340: www.lebarmy.gov

[2] الموسوعة القرآنية, شرح تفسير ابن كثير , https://quranpedia.net/book/704/30/4 ,2024

[3] شرح النووي على مسلم ص 197، 2024 , https://www.islamweb.net

[4] الإرهاب في الإسلام والغرب, علي عمر مفتاح، إيمان محمد عباس، أحمد محمد,, دراسات, علوم الشريعة والقانون, 2015

[5] الجرائم الواقعة على أمن الدولة وجرائم الإرهاب في القانون الأردني والقوانين العربية, الجبور, محمد عودة, دار الثقافة للنشر والتوزيع, 2010م

[6] الجريمة الإرهابية, مطر, عصام عبدالفتاح عبدالسميع, دار الجامعة الجديدة الإسكندرية,مصر,2008م

[7] قانون العقوبات القسم العام, نجم, محمد صبحي , دار الثقافة للنشر, الطبعة الأولى, الأردن , 2011م

[8] 23.      محمد الخامس نبالي. 2022-2023. الجرائم الماسة بأمن الدولة في التشريع الجزائري. رسالة ماجستير تخصص قانون جنائي. جامعة العربي التبسي,تبسة الجزائر.

[9] قانون الجرائم والعقوبات اليمن  رقم 12 لسنة 1994، المواد (128) ,(127),(126), (129) https://agoyemen.net/lib_details.php?id=5

[10] دراسة حول تشريعات مكافحة الارهاب في دول الخليج العربية واليمن، وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة , فيينا,2009م

[11] ابراهيم انيس. (الطبعة الثانية). المعجم الوسيط، معجم اللغة العربية. ص62.

[12] 7.      بسمة سعودي. (2016). جريمة المؤامرة (دراسة مقارنة)". جامعة العربي التبسي، كلية الحقوق، تبسة, الجزائر.

[13] سعودي، 2016 – مرجع سابق

[14] قانون الجرائم والعقوبات اليمني- مرجع سابق

[15] قانون الجرائم والعقوبات اليمني- مرجع سابق بتصرف

[16] 1.      ابن منظور. (الصفحة 38). لسان العرب (المجلد الجزء السادس).

[17] مجدي محب حافظ. (1997). الحماية الجنائية لأسرار الدولة دراسة تطبيقية لجرائم الخيانة، القاهرة، ط 1997. القاهرة.

[18] مجدي محب حافظ- مرجع سابق

 

[19] رزق الله برهان. (2017-2018). التجسس (جرائم امن الدولة). رسالة ماجستير,كلية الحقوق ,جامعة العربي التبسي,تبسه,الجزائر

[20] قانون الجرائم والعقوبات – مرجع سابق.

 

[21] حسني محمود نجيب. (1977). شرح قانون العقوبات، القسم العام، ص: 363 (المجلد الطبعة الرابعة). القاهرة: دار النهضة العربية.

[22] عبد العزيز جاويش، "القصد الجنائي في جرائم أمن الدولة"، مجلة القانون الجنائي، 2007.

[23] ا.د سعد ابراهيم الاعظمي. (2012). جريمة السعي والتخابر في التشريع اليمني. مجلة جامعة الملكة اروى العلمية المحكمة. doi:https://doi.org/10.58963/qausrj.v1i8.46

[24] محمود بوقطيف بن مكي نجاه. (2-2-2014). الخيانة العظمى الجريمة ماسة بأمن الدولة في القانون الجزائري. خنشلة -الجزائر: كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة عباس لغرور خنشلة.

[25] محمد جمال الدين القاسمي. (1377هـ / 1957م). محاسن التأويل. مصر : دار أحياء الكتب العربية .

[26] أبى على الفضل ابن الحسن الطبرسي. (بلا تاريخ). مجمع البيان في تفسير القرآن . بيروت : دار إحياء التراث العربي ،ج2 ، ص 133.


ليست هناك تعليقات